بحـث
المواضيع الأخيرة
(مَمُو زين) قصة حب نبت في الأرض وأينع في السماء.. (ح17)
عـــــــــــاشـــــق يبـــــــــــــــــرود :: !~¤§¦ منتديــات الآدبية والشعرية¦§¤~! :: الحكـــواتـــي
صفحة 1 من اصل 1
(مَمُو زين) قصة حب نبت في الأرض وأينع في السماء.. (ح17)
النّدم
وفي صباح اليوم التالي كان الأمير قد اقتنع بجزء من مشورة بكر ، ورأى أنه ليس هنالك ، مبدئيا ، ما هو أولى منها ، فإذا لم تنتج الفائدة المتوفعة كان هنالك حينئذ مجال لرأي آخر . وراح ينفذ أولى خطوات تفكير ذلك الخبيث .
خرج من الديوان ... وصعد متجها إلى غرفة أخته زين ، تلك الغرفة التي غبر دهرا لم يدخلها أو يمر بها أو يكترث بمن فيها .
وانتهى إلى بابها المغلق .. فوقف عنده قليلا كأنما يستجمع هدوءه ، ثم دفعه في رفق ودخل ...
دخل .. فوجد نفسه في غرفة ساكنة واجمة ، قد أغلقكل نوافذها وكُواها ، فبدت مظلمة قاتمة . وأخذ ليجيل النظر في أطرافها ، إلا أن عينيه سرهان ما انصرفت إلى قامة فتاتة هبت مترنحة تحاول الوقوف والقيام على قدميها .
فدنا نحوها ، وراح يقلب عينيه في شكلها الذاوي ومظهرها الباعث للرحمة والألم .. وهي واقفة أمامه في جهد ، يتمايل بقوامها الضعف والهزال !
وأخذت نظراته كأنما تتسائل في تأثر واستغراب : أهذه هي أختي زين التي كنت أعرفها أروع ما تكون صحة وجسما ، وأجمل ما تكون إشراقا وفتنة ؟!
أكل ذلك انتهى منها وغاب .. وأنا لا أشعر ..؟
ثم جلس إلى جانبها في هدوء . وأخذ يجيل نظره فيما حوله في صمت ، وقد شعر بمعاني الأسى والحزن ممتدة إلى كل أطراف الغرفة وما فيها . وما ثم شيء من فرش والمقاعد التي من حولها والستر المسدلة أمامها ، والحاجات المتفرقة إلى جوانبها ، إلا وكأنما قد لمسه الحزن والكرب لمسة واضحة من أجل هذه البائسة المسكينة !
ثم عاد - وقد سرى أثر كبير من ذلك الحزن إلى نفسه أيضا - فالتفت إلى أخته ، وقد أطرقت برأسها إلى الأرض في وجوم وذهول . فمد يمينه برفق إلى أسفل وجهها ، ولارفعه إلى سمت عينيه يتأمل شحوبه وذبول ملامحه .
والتقت عيناه بنظراتها .. نظرات كسيرة من عينين ذابلتين قرحهما الدمع ، تشع نحوه في ارتجاف ، كأنما تستعطفه قائلة :
’’ كيف هان عليك يا أخي ... وأنا شقيقة قلبك أن تقسو علي كل هذا ، وتباعد عن فمي كأس سعادتي وهنائي وتحطمها في الأرض ؟
كيف استسغت يا أخي .. وأنا أختك التي طالما أسعدتني أفراحك .. أن تحرق ماك ان لي من شباب .. في ضرام الشقاء والحرمان ، وتتركني أتأوه في هذا القصر من غير راحم ، وأستصرخ من غير مجيب ؟!
ماذا جنيت يا أخي حتى عاقبتني بكل هذا ؟
والله إني لم أطعم من حبي إلا العلقم الأليم . والله إني لم أخنك يوما ما في سر ولا جهر . والله إن روحي لم تدنسها أو تعلق بها أي شائبة مما قد تظن ..‘‘
وما إن تلاقت عينا الأمير مع هذه النظرات ، وتأمل ما كانت توحي به من هذا الاستعطاف حتى سرت رعشة من الرقة والرحمة في سائر مشاعره ، وامتدت إلى سويداء قلبه ، فنفضته نفضة أليمة تساقط منها كل ما تغلف به من قسوة وغضب وبدأ بخفق بالرحمة ، ويجيش ندامة وحسرة . وقال وهو لا يكاد يملك عينيه :
لقد ظلمتك والله يا أختاه .. إي والله ، ولقد قسوت عليك قسوة ما أظن أن أي توبة أو ندامة يمكن أن تغفر لي إثمها ..!
ماذا دهاني يا زين ...؟ وأين فقدت قلبي وكبدي ، حتى فعلت بك كل هذا ...؟
أكل هذا الضنى الذي على وجهك ، والنحول والضعف الشديد في جسمك هو من آثار قسوتي ...؟ قسوة أخيك الشقي التعس ..؟ إن نار الندم يا زين تأكل قلبي .. إن ألم الحسرة ليشق كبدي .
تعالي .. يا شقيقتي .. حدثيني ، أوَلا أستطيع اليوم أن أكفّر ..؟ أوَلا أقدر أن أعود فأسعى لاسترجاع سعادتك وشباب جمالك ..؟ أو لست أزال قادرا أن أتدارك الوقت ..؟‘‘
وما كادت هذه الكلمات من الأمير تطرق سمع المسكينة التي طوت أيام عمرها في مكابدة البؤس وآلامه ، دون أن يرق لها أو يكترث بها ، حتى أدركت قلبها رقة شديدة لحالها ، وقامت بين جوانحها عاصفة كبيرة من آلام وزفرات ، وكان قد بلغ بها الضعف والرقة إلى حيث لم تعد تتحمل كل ذلك ، فاندفعت من صدرها موجة كبيرة من الدماء ، وانطلقت من حلقها مرة واحدة متدفقة إلى الأرض ، بينما راحت عي في غيبوبة كاملة عن نفسها وكل ما حولها .
فجن جنون الأمير من هذا المنظر الرهيب . وأخذ سعير الندامة والعطف الذي راح أوانه يكوي مشاعره ويأكل أحشاءه و قلبه . وفقد كل توازنه ووعيه . وجلس إلى جانبأخته الممتدة بين دمائها يصرخ ويبكي لاطما نفسه كالنساء .
وفي تلك الأثناء كانت قد وصلت ستي إلى القصر متجهة نحو غرفة أختها لعيادتها والبحث عن حالها وصحتها . وما إن وصلت إلى الباب حتى رأت منظرا رهيبا اقشعر منه بدنها وطار له صوابها ...!
رأت أختها منطرحة من غير إحساس في لجة الدماء ! ورأت الأمير جالسا إلى جانبها يبكي وينتحب ..!
فثارت في وجهه قائلة - وقد أيقنت أنها الغضبة الأخيرة قد عصفت برأسه فقتلها :
’’ ماذا دهاك أيها الظالم ...؟ ألم يشف غيظك كل ما أنزلته بهذه البائسة من ألوان العذاب حتى قتلتها وسفكت دمها ، وقد كانت ماضية بحالها إلى طريق الفناء والموت ..‘‘؟
فالتفت إليها الأمير وأجابها في كرب يكاد يخنقه :
’’ كفى يا أختاه ... لا تزيدي في ناري . لسا بقاتل ، ولكنها غشية ..‘‘
ثم جلست الأخت والأخ من حول شقيقتيهما يحاولان ، وقد استبد بهما الجزع ، إنعاشها وإيقاظها دون أي جدوى . ومرت ساعات ... وتجمع حولهما كل من في القصر من الأهل والأقربين وراحوا يحاولون إحياءها بشتى الوسائل وطرق العلاج ، دون أن يستفيدوا من أي نتيجة ...
الوصيّة
مر اليوم ... وغربت شمسه ، وزين لا تزال على حالتها تلك منطرحة في غرفتها دون أي وعي ولا إحساس ، رأسها في حجر أخيها الأمير الذي لا يكاد يفلته البكاء ، والأهل والأقربون من حولها في حيرة وألم شديد . لا يدرون أهي غشية طال أمدها ، أم هو الموت والقضاء الأخير قد أنزل بها ! يجسون عروقها ، ويتلمسون حركة قلبها ، فتبدو حينا من الزمن وكأنها قطعة يابسة ليس في جهة منها أي حركة أو نبض ، ثم يعود فيخفق منها القلب ، وتضح صاعدا ونازلا في صدرها في ضعف وبطء ، وإذ ذاك تتهلل أسارير الوجوه المطرقة من حولها قليلا ، ويلبثون منتظرين رحمة إلهية تتداركها وتعيد إليها الروح والإحساس .
وبينما هم في تلك الاثناء إذ دخل أحد الغلمان مسرعا يقول للأمير :
’’ إن أحد حراس السجن جاء ليبلغ مولاي بأن ممو في حالة تشبه النزع .. فبماذا يأمر ؟؟ ‘‘
وما كاد اسم ممو يتلى في ذلك الجو الذي كانت تمر به أنفاس زين الصامتة ، حتى استنشقت منه الروح التي بعثتها من ذلك السبات الطويل ، وسرت رعشة عامة في جسمها ، وفتحت عينيها تنظر ما حولها ...
رأت أمامها رقعة كبيرة من الدكاء منبسطة في تلك الأرض ، ووجدت غرفتها غاصة من حولها بسائر الأقارب والأصحاب وحرم القصر ، يرمقونها بعيون ذارفة وملامح ملؤها الأسى والحزن ! وأبصرت أخاها الأمير جالسا من فوقها يبكي كأنه الطفل ..؟!
فاستوت جالسة في اتكاء ، واستدارت بوجهها نحوه قائلة ، وقد تغيرت ملامحها ، وبدت على وجهها دلائل أحاسيس غريبة طارئة :
’’ أتبكي أيها الأمير في يوم فرحي وعرسي ...؟!
أفي الوقت الذي تصبح فيه سببا لإسعادي أكون أنا سببا لبكائك وأحزانك ..؟
لقد انطلقت روحي يا مولاي منذ اليوم إلى السعادة التي طالما انتظرتها ، وبرح بها الشوق إليها ، استطاعت أن تطير إليها بعد أن أوليتها الإذن .. ومنحتها الرضا ... وتقدمت نحوها بالعطف ...
في هذا اليوم انتهيتُ من سياحة طويلة قطعتها في خضم هذا الفناء المائح ، بعد أن يبست في قطعه سائر أطرافي وجوارحي وكابدت من أمواجه وعواصفه شدة كادت أن تصرعني ...!
وعليّ الآن وقد انتهيت إلى الساحل أن أقف فيه قليلا ، لأستروح . علي أن أقف هنا قليلا ... قبل أن آخذ طريقي متجهة نحو الخلود الذي ينتظرني ، لأودعكم .. وأستسمحكم .. ولأتلو عليكم وصيتي يا مولاي ...‘‘
ثم أسندت رأسها إلى وسادة ورائها - وقد أخذت ملامح الحاضرين تتلون بالحزن والأسى ، واستولى الوجوم والإطراق على المكان - وراحت زين تحدث أخاها ، وكأنها في حلم ، قائلة :
’’ لا تأس .. يا شقيق قلبي وروحي ...!
لا تبك علي ... فدتك مئة أخت من أمثال زين .
لا تأس يا مولاي .. فقد تقبلت هذه الآلام والأسقام ، منذ اخترت ممو رفيقا لروحي . وقبل أن تمهرني الأقدار بالضنى والأحزان في سبيله ومن أجله . فالبؤس والهموم من أجل قلبي والسلطان والسعادة من قسمتك .
أميري .. لا تنازعني اليوم في شيء من نصيبي ! فهي حصتي وأنا قانعة وراضية بها . عد أنت يا مولاي فاجلس على سرسر سلطانك ، وأمِلْ تاجك الدري على مفرق رأسك . أقم من حولك مجالس الطرب في تنظيمها الرائع ، وأدر فيما بينها أفراح الزمان وأنسه . أسكر السادة والغلمان بشراب نعيمك ، وليعد شباب اللهو والمرح مختالا في الشيوخ من جلسائك .هيئ على بساطك لذائذ الطعام والشراب ، ونظم من حوله كل أسباب الصفو والهناء ، وانثر بينه سائر أنواع العطور والمفرحات ، واجمع لذلك الندامى والأصحاب ، ولترقص بينهم البهجة بشتى ألوانها ، ولتتمايل من فوق رؤوسهم الورود والأغصان .
فلقد استكملت يا مولاي في هذا اليوم روحانيتنا ...وانتهت منا علائق الحيوانية والفناء ، وأزيحت عما بيننا حجبها وأستارها ... نعم سوف يتوارى هذا الجسم بعد قليل في ترابه ، ولكن روحي لن يمنعها أي شيء من نعيمها ووصالها ...
أميري ... ولا تنس أن تقيم أفراحنا كاملة .. فكلانا وإن أصبح روحانيا في ذاته ولكننا لا نزال نطرب .. ونميل إلى الطيبات والأفراح .
أتذكر ذلك العرس البهيج الذي أقمته لأختي ورفيقها ، وكيف أزدهرت هذا البلدة إذ ذاك ضياءا وأنسا ..؟ إنني آمل منك يا أخي أن توليني مثل تلك الرعاية في يوم عرسي أنا أيضا ... مُرْ هذه الجزيرة أن تعود فتمتطي خيول المرح ، وأرسل وراء رجالك وجندك ، يقيموا الأفراح والمهرجانات ، ولتعد نشوة الفرح والطرب تطوف بالرؤوس ، ولتتزين ثانية جميع الميادين والأزقة والأسواق .
أخي ... ولقد ضاق الوقت ، فلتحسن إلي في المبادرة بتدارك الجهاز وتهيئته ، فلا بد من إعداده ، لكي يلتحق ، منذ الآن .
أتذكر يا مولاي صرح ستي .. ذلم الصرح الرائع المتألق ...؟
إنني أحتاج إلى تابوت في مثل بهائه وتألقه ... أريده من أفخر أنواع الأبينوس .. الأبينوس المنقوش وليكن غطاؤه في مثل روعته وأبهته ، مزدانا ومرصعا بوشي الذهب والفضة . ولتكن مظاهر الإحتفال والبهجة كاملة من حوله .
أخي ، أتضرع إليك أن تحقق هذا كما أقول ، لا تدعني في يوم فرحي ممتهنة أمام الأنظار . لا يقولن الناس إذ يتوسطون المقبرة في تحسر وألم : كم كان عرس ستي يوما مشرقا من الدهر ، وكم كان طالع زين أسود حالكا منذ الأزل ...!
ثم دع شقيقتي يا مولاي هي التي تتولى تزييني وغسلي ، وتكون في رفقة نعشي وتوديعه . أما ممو فاترك له وفّيه المخلص هو الذي يغسله كما يشاء ويصاحبه إلى مقره الأخير ..‘‘
وسكتت قليلا كأنما تستروح من إعياء .
ثم تابعت حديثها تقول :
’’ فاذا كان بعد ذلك ، فأتم إحسانك لي يا سيدي ، وليمر عام كامل تطعم فيه البطون الجائعة وتكسو الأجسام العارية . اجمع حولك الفقراء والماكسن لتغنيهم وترأف بهم . ابحث عن التعساء والأشقياء لتواسيهم وتسعدهم . امسح يا أخي بعطفك دموع البائسين ، وفرج بمعروفك عن قلوب المكروبين . أطلق يد الأسرى والمسجونين ، وفك يد الظلام عن الضعفاء والمظلومين . أسرج بشيء من نعمتك طوايا النفوس المظلمة ، وادخل بلطفك القلوب الكبيرة . تدان إلى المفجوعين والمنكوبين لتؤنسهم ، وقربهم إلى مجلسك وسعادتك لتسري عن همومهم وأحزانهم . ابحث في طوايا الليل عن السادرين والباكين في ظلماته ، وفتش مع الشمس عن الهائمين في الفلوات ، الهاربين بآلامهم إلى الآكام والتلال ، فداو آلامهم وآس جراحهم بكل ما يمتد إليه طوقك وتصل إليه قدرتك .
ولا تنس يا سيدي أن تقوم بكل هذا على نيتي ، وأن تصرفه من حساب جهازي دون أن تقسم شيئا من كلامي إلى حقيقة ومجاز .
ثم أتوسل إليك بعد هذا في تنفيذ آخر سطر من وصيتي يا مولاي ، وهو أن لا تدع أي حاجز يقوم بيني وبين ممو في مقرنا الأخير . دعنا هناك يا أخي ، تنعانق في قبر واحد سعيدين منعمين ، تتلامس منا الأبدان التي أحرقها الحرمان وأذابها الشوق والفراق .
أطلت عليك يا سيدي .. ولكن عذري أن الطريق أمامي طويل ، وحفرتي ، بعدت عنك ، بعيدة الغور ، ويوم الفراق قريب ...‘‘
وهنا استبد الجزع والحزن بالحاضرين الذي كانوا يسمعون كلامها في ذهول وإطراق ، وتعالت الأصوات واشتد النحيب ، ولم تبق عين إلا انهمرت بوابل من الدموع . وتقدم منها الأمير باكيا ، ضمها إليه وقبل رأسها قائلا :
’’ أقسم لك يا شقيقتي - وأنا أخوك الذي قسا ولم يرحم - أنني سأكفر عن ذنبي بكلما استطيع . سأقدم روحي ثمنا لجمعكما وسعادتكما . لن أدع والله أي شيء يفرق بينكما لا في الحياة ولا من بعدها ..‘‘
ثم تذكر ممو وحاله في السجن ، فكفكف دموعه والتفت إلى من حوله قائلا :
’’ ولكن عليكم الآن أن تبادروا مسرعين إلى السجن لتروا ممو ولتكن معكم زين ، فأنا واثق بأنه ليس بنزع .. ولكنها غشية أو ألم قد انتابه ، وسيسري عنه حينما تتلطفون له في إدخال البشرى إلى قلبه رويدا رويدا وإخراجه من ذلك المكان ..‘‘
نهاية الحلقة السابعة عشر____ يتبـــع....
وفي صباح اليوم التالي كان الأمير قد اقتنع بجزء من مشورة بكر ، ورأى أنه ليس هنالك ، مبدئيا ، ما هو أولى منها ، فإذا لم تنتج الفائدة المتوفعة كان هنالك حينئذ مجال لرأي آخر . وراح ينفذ أولى خطوات تفكير ذلك الخبيث .
خرج من الديوان ... وصعد متجها إلى غرفة أخته زين ، تلك الغرفة التي غبر دهرا لم يدخلها أو يمر بها أو يكترث بمن فيها .
وانتهى إلى بابها المغلق .. فوقف عنده قليلا كأنما يستجمع هدوءه ، ثم دفعه في رفق ودخل ...
دخل .. فوجد نفسه في غرفة ساكنة واجمة ، قد أغلقكل نوافذها وكُواها ، فبدت مظلمة قاتمة . وأخذ ليجيل النظر في أطرافها ، إلا أن عينيه سرهان ما انصرفت إلى قامة فتاتة هبت مترنحة تحاول الوقوف والقيام على قدميها .
فدنا نحوها ، وراح يقلب عينيه في شكلها الذاوي ومظهرها الباعث للرحمة والألم .. وهي واقفة أمامه في جهد ، يتمايل بقوامها الضعف والهزال !
وأخذت نظراته كأنما تتسائل في تأثر واستغراب : أهذه هي أختي زين التي كنت أعرفها أروع ما تكون صحة وجسما ، وأجمل ما تكون إشراقا وفتنة ؟!
أكل ذلك انتهى منها وغاب .. وأنا لا أشعر ..؟
ثم جلس إلى جانبها في هدوء . وأخذ يجيل نظره فيما حوله في صمت ، وقد شعر بمعاني الأسى والحزن ممتدة إلى كل أطراف الغرفة وما فيها . وما ثم شيء من فرش والمقاعد التي من حولها والستر المسدلة أمامها ، والحاجات المتفرقة إلى جوانبها ، إلا وكأنما قد لمسه الحزن والكرب لمسة واضحة من أجل هذه البائسة المسكينة !
ثم عاد - وقد سرى أثر كبير من ذلك الحزن إلى نفسه أيضا - فالتفت إلى أخته ، وقد أطرقت برأسها إلى الأرض في وجوم وذهول . فمد يمينه برفق إلى أسفل وجهها ، ولارفعه إلى سمت عينيه يتأمل شحوبه وذبول ملامحه .
والتقت عيناه بنظراتها .. نظرات كسيرة من عينين ذابلتين قرحهما الدمع ، تشع نحوه في ارتجاف ، كأنما تستعطفه قائلة :
’’ كيف هان عليك يا أخي ... وأنا شقيقة قلبك أن تقسو علي كل هذا ، وتباعد عن فمي كأس سعادتي وهنائي وتحطمها في الأرض ؟
كيف استسغت يا أخي .. وأنا أختك التي طالما أسعدتني أفراحك .. أن تحرق ماك ان لي من شباب .. في ضرام الشقاء والحرمان ، وتتركني أتأوه في هذا القصر من غير راحم ، وأستصرخ من غير مجيب ؟!
ماذا جنيت يا أخي حتى عاقبتني بكل هذا ؟
والله إني لم أطعم من حبي إلا العلقم الأليم . والله إني لم أخنك يوما ما في سر ولا جهر . والله إن روحي لم تدنسها أو تعلق بها أي شائبة مما قد تظن ..‘‘
وما إن تلاقت عينا الأمير مع هذه النظرات ، وتأمل ما كانت توحي به من هذا الاستعطاف حتى سرت رعشة من الرقة والرحمة في سائر مشاعره ، وامتدت إلى سويداء قلبه ، فنفضته نفضة أليمة تساقط منها كل ما تغلف به من قسوة وغضب وبدأ بخفق بالرحمة ، ويجيش ندامة وحسرة . وقال وهو لا يكاد يملك عينيه :
لقد ظلمتك والله يا أختاه .. إي والله ، ولقد قسوت عليك قسوة ما أظن أن أي توبة أو ندامة يمكن أن تغفر لي إثمها ..!
ماذا دهاني يا زين ...؟ وأين فقدت قلبي وكبدي ، حتى فعلت بك كل هذا ...؟
أكل هذا الضنى الذي على وجهك ، والنحول والضعف الشديد في جسمك هو من آثار قسوتي ...؟ قسوة أخيك الشقي التعس ..؟ إن نار الندم يا زين تأكل قلبي .. إن ألم الحسرة ليشق كبدي .
تعالي .. يا شقيقتي .. حدثيني ، أوَلا أستطيع اليوم أن أكفّر ..؟ أوَلا أقدر أن أعود فأسعى لاسترجاع سعادتك وشباب جمالك ..؟ أو لست أزال قادرا أن أتدارك الوقت ..؟‘‘
وما كادت هذه الكلمات من الأمير تطرق سمع المسكينة التي طوت أيام عمرها في مكابدة البؤس وآلامه ، دون أن يرق لها أو يكترث بها ، حتى أدركت قلبها رقة شديدة لحالها ، وقامت بين جوانحها عاصفة كبيرة من آلام وزفرات ، وكان قد بلغ بها الضعف والرقة إلى حيث لم تعد تتحمل كل ذلك ، فاندفعت من صدرها موجة كبيرة من الدماء ، وانطلقت من حلقها مرة واحدة متدفقة إلى الأرض ، بينما راحت عي في غيبوبة كاملة عن نفسها وكل ما حولها .
فجن جنون الأمير من هذا المنظر الرهيب . وأخذ سعير الندامة والعطف الذي راح أوانه يكوي مشاعره ويأكل أحشاءه و قلبه . وفقد كل توازنه ووعيه . وجلس إلى جانبأخته الممتدة بين دمائها يصرخ ويبكي لاطما نفسه كالنساء .
وفي تلك الأثناء كانت قد وصلت ستي إلى القصر متجهة نحو غرفة أختها لعيادتها والبحث عن حالها وصحتها . وما إن وصلت إلى الباب حتى رأت منظرا رهيبا اقشعر منه بدنها وطار له صوابها ...!
رأت أختها منطرحة من غير إحساس في لجة الدماء ! ورأت الأمير جالسا إلى جانبها يبكي وينتحب ..!
فثارت في وجهه قائلة - وقد أيقنت أنها الغضبة الأخيرة قد عصفت برأسه فقتلها :
’’ ماذا دهاك أيها الظالم ...؟ ألم يشف غيظك كل ما أنزلته بهذه البائسة من ألوان العذاب حتى قتلتها وسفكت دمها ، وقد كانت ماضية بحالها إلى طريق الفناء والموت ..‘‘؟
فالتفت إليها الأمير وأجابها في كرب يكاد يخنقه :
’’ كفى يا أختاه ... لا تزيدي في ناري . لسا بقاتل ، ولكنها غشية ..‘‘
ثم جلست الأخت والأخ من حول شقيقتيهما يحاولان ، وقد استبد بهما الجزع ، إنعاشها وإيقاظها دون أي جدوى . ومرت ساعات ... وتجمع حولهما كل من في القصر من الأهل والأقربين وراحوا يحاولون إحياءها بشتى الوسائل وطرق العلاج ، دون أن يستفيدوا من أي نتيجة ...
الوصيّة
مر اليوم ... وغربت شمسه ، وزين لا تزال على حالتها تلك منطرحة في غرفتها دون أي وعي ولا إحساس ، رأسها في حجر أخيها الأمير الذي لا يكاد يفلته البكاء ، والأهل والأقربون من حولها في حيرة وألم شديد . لا يدرون أهي غشية طال أمدها ، أم هو الموت والقضاء الأخير قد أنزل بها ! يجسون عروقها ، ويتلمسون حركة قلبها ، فتبدو حينا من الزمن وكأنها قطعة يابسة ليس في جهة منها أي حركة أو نبض ، ثم يعود فيخفق منها القلب ، وتضح صاعدا ونازلا في صدرها في ضعف وبطء ، وإذ ذاك تتهلل أسارير الوجوه المطرقة من حولها قليلا ، ويلبثون منتظرين رحمة إلهية تتداركها وتعيد إليها الروح والإحساس .
وبينما هم في تلك الاثناء إذ دخل أحد الغلمان مسرعا يقول للأمير :
’’ إن أحد حراس السجن جاء ليبلغ مولاي بأن ممو في حالة تشبه النزع .. فبماذا يأمر ؟؟ ‘‘
وما كاد اسم ممو يتلى في ذلك الجو الذي كانت تمر به أنفاس زين الصامتة ، حتى استنشقت منه الروح التي بعثتها من ذلك السبات الطويل ، وسرت رعشة عامة في جسمها ، وفتحت عينيها تنظر ما حولها ...
رأت أمامها رقعة كبيرة من الدكاء منبسطة في تلك الأرض ، ووجدت غرفتها غاصة من حولها بسائر الأقارب والأصحاب وحرم القصر ، يرمقونها بعيون ذارفة وملامح ملؤها الأسى والحزن ! وأبصرت أخاها الأمير جالسا من فوقها يبكي كأنه الطفل ..؟!
فاستوت جالسة في اتكاء ، واستدارت بوجهها نحوه قائلة ، وقد تغيرت ملامحها ، وبدت على وجهها دلائل أحاسيس غريبة طارئة :
’’ أتبكي أيها الأمير في يوم فرحي وعرسي ...؟!
أفي الوقت الذي تصبح فيه سببا لإسعادي أكون أنا سببا لبكائك وأحزانك ..؟
لقد انطلقت روحي يا مولاي منذ اليوم إلى السعادة التي طالما انتظرتها ، وبرح بها الشوق إليها ، استطاعت أن تطير إليها بعد أن أوليتها الإذن .. ومنحتها الرضا ... وتقدمت نحوها بالعطف ...
في هذا اليوم انتهيتُ من سياحة طويلة قطعتها في خضم هذا الفناء المائح ، بعد أن يبست في قطعه سائر أطرافي وجوارحي وكابدت من أمواجه وعواصفه شدة كادت أن تصرعني ...!
وعليّ الآن وقد انتهيت إلى الساحل أن أقف فيه قليلا ، لأستروح . علي أن أقف هنا قليلا ... قبل أن آخذ طريقي متجهة نحو الخلود الذي ينتظرني ، لأودعكم .. وأستسمحكم .. ولأتلو عليكم وصيتي يا مولاي ...‘‘
ثم أسندت رأسها إلى وسادة ورائها - وقد أخذت ملامح الحاضرين تتلون بالحزن والأسى ، واستولى الوجوم والإطراق على المكان - وراحت زين تحدث أخاها ، وكأنها في حلم ، قائلة :
’’ لا تأس .. يا شقيق قلبي وروحي ...!
لا تبك علي ... فدتك مئة أخت من أمثال زين .
لا تأس يا مولاي .. فقد تقبلت هذه الآلام والأسقام ، منذ اخترت ممو رفيقا لروحي . وقبل أن تمهرني الأقدار بالضنى والأحزان في سبيله ومن أجله . فالبؤس والهموم من أجل قلبي والسلطان والسعادة من قسمتك .
أميري .. لا تنازعني اليوم في شيء من نصيبي ! فهي حصتي وأنا قانعة وراضية بها . عد أنت يا مولاي فاجلس على سرسر سلطانك ، وأمِلْ تاجك الدري على مفرق رأسك . أقم من حولك مجالس الطرب في تنظيمها الرائع ، وأدر فيما بينها أفراح الزمان وأنسه . أسكر السادة والغلمان بشراب نعيمك ، وليعد شباب اللهو والمرح مختالا في الشيوخ من جلسائك .هيئ على بساطك لذائذ الطعام والشراب ، ونظم من حوله كل أسباب الصفو والهناء ، وانثر بينه سائر أنواع العطور والمفرحات ، واجمع لذلك الندامى والأصحاب ، ولترقص بينهم البهجة بشتى ألوانها ، ولتتمايل من فوق رؤوسهم الورود والأغصان .
فلقد استكملت يا مولاي في هذا اليوم روحانيتنا ...وانتهت منا علائق الحيوانية والفناء ، وأزيحت عما بيننا حجبها وأستارها ... نعم سوف يتوارى هذا الجسم بعد قليل في ترابه ، ولكن روحي لن يمنعها أي شيء من نعيمها ووصالها ...
أميري ... ولا تنس أن تقيم أفراحنا كاملة .. فكلانا وإن أصبح روحانيا في ذاته ولكننا لا نزال نطرب .. ونميل إلى الطيبات والأفراح .
أتذكر ذلك العرس البهيج الذي أقمته لأختي ورفيقها ، وكيف أزدهرت هذا البلدة إذ ذاك ضياءا وأنسا ..؟ إنني آمل منك يا أخي أن توليني مثل تلك الرعاية في يوم عرسي أنا أيضا ... مُرْ هذه الجزيرة أن تعود فتمتطي خيول المرح ، وأرسل وراء رجالك وجندك ، يقيموا الأفراح والمهرجانات ، ولتعد نشوة الفرح والطرب تطوف بالرؤوس ، ولتتزين ثانية جميع الميادين والأزقة والأسواق .
أخي ... ولقد ضاق الوقت ، فلتحسن إلي في المبادرة بتدارك الجهاز وتهيئته ، فلا بد من إعداده ، لكي يلتحق ، منذ الآن .
أتذكر يا مولاي صرح ستي .. ذلم الصرح الرائع المتألق ...؟
إنني أحتاج إلى تابوت في مثل بهائه وتألقه ... أريده من أفخر أنواع الأبينوس .. الأبينوس المنقوش وليكن غطاؤه في مثل روعته وأبهته ، مزدانا ومرصعا بوشي الذهب والفضة . ولتكن مظاهر الإحتفال والبهجة كاملة من حوله .
أخي ، أتضرع إليك أن تحقق هذا كما أقول ، لا تدعني في يوم فرحي ممتهنة أمام الأنظار . لا يقولن الناس إذ يتوسطون المقبرة في تحسر وألم : كم كان عرس ستي يوما مشرقا من الدهر ، وكم كان طالع زين أسود حالكا منذ الأزل ...!
ثم دع شقيقتي يا مولاي هي التي تتولى تزييني وغسلي ، وتكون في رفقة نعشي وتوديعه . أما ممو فاترك له وفّيه المخلص هو الذي يغسله كما يشاء ويصاحبه إلى مقره الأخير ..‘‘
وسكتت قليلا كأنما تستروح من إعياء .
ثم تابعت حديثها تقول :
’’ فاذا كان بعد ذلك ، فأتم إحسانك لي يا سيدي ، وليمر عام كامل تطعم فيه البطون الجائعة وتكسو الأجسام العارية . اجمع حولك الفقراء والماكسن لتغنيهم وترأف بهم . ابحث عن التعساء والأشقياء لتواسيهم وتسعدهم . امسح يا أخي بعطفك دموع البائسين ، وفرج بمعروفك عن قلوب المكروبين . أطلق يد الأسرى والمسجونين ، وفك يد الظلام عن الضعفاء والمظلومين . أسرج بشيء من نعمتك طوايا النفوس المظلمة ، وادخل بلطفك القلوب الكبيرة . تدان إلى المفجوعين والمنكوبين لتؤنسهم ، وقربهم إلى مجلسك وسعادتك لتسري عن همومهم وأحزانهم . ابحث في طوايا الليل عن السادرين والباكين في ظلماته ، وفتش مع الشمس عن الهائمين في الفلوات ، الهاربين بآلامهم إلى الآكام والتلال ، فداو آلامهم وآس جراحهم بكل ما يمتد إليه طوقك وتصل إليه قدرتك .
ولا تنس يا سيدي أن تقوم بكل هذا على نيتي ، وأن تصرفه من حساب جهازي دون أن تقسم شيئا من كلامي إلى حقيقة ومجاز .
ثم أتوسل إليك بعد هذا في تنفيذ آخر سطر من وصيتي يا مولاي ، وهو أن لا تدع أي حاجز يقوم بيني وبين ممو في مقرنا الأخير . دعنا هناك يا أخي ، تنعانق في قبر واحد سعيدين منعمين ، تتلامس منا الأبدان التي أحرقها الحرمان وأذابها الشوق والفراق .
أطلت عليك يا سيدي .. ولكن عذري أن الطريق أمامي طويل ، وحفرتي ، بعدت عنك ، بعيدة الغور ، ويوم الفراق قريب ...‘‘
وهنا استبد الجزع والحزن بالحاضرين الذي كانوا يسمعون كلامها في ذهول وإطراق ، وتعالت الأصوات واشتد النحيب ، ولم تبق عين إلا انهمرت بوابل من الدموع . وتقدم منها الأمير باكيا ، ضمها إليه وقبل رأسها قائلا :
’’ أقسم لك يا شقيقتي - وأنا أخوك الذي قسا ولم يرحم - أنني سأكفر عن ذنبي بكلما استطيع . سأقدم روحي ثمنا لجمعكما وسعادتكما . لن أدع والله أي شيء يفرق بينكما لا في الحياة ولا من بعدها ..‘‘
ثم تذكر ممو وحاله في السجن ، فكفكف دموعه والتفت إلى من حوله قائلا :
’’ ولكن عليكم الآن أن تبادروا مسرعين إلى السجن لتروا ممو ولتكن معكم زين ، فأنا واثق بأنه ليس بنزع .. ولكنها غشية أو ألم قد انتابه ، وسيسري عنه حينما تتلطفون له في إدخال البشرى إلى قلبه رويدا رويدا وإخراجه من ذلك المكان ..‘‘
نهاية الحلقة السابعة عشر____ يتبـــع....
AnGeL DrEaMsSs- عدد المساهمات : 121
نقاط : 255
تاريخ التسجيل : 16/12/2009
العمر : 38
الموقع : www.kooora.com
مواضيع مماثلة
» (مَمُو زين) قصة حب نبت في الأرض وأينع في السماء.. (ح11)
» (مَمُو زين) قصة حب نبت في الأرض وأينع في السماء.. (ح12)
» (مَمُو زين) قصة حب نبت في الأرض وأينع في السماء.. (ح13)
» (مَمُو زين) قصة حب نبت في الأرض وأينع في السماء.. (ح14)
» (مَمُو زين) قصة حب نبت في الأرض وأينع في السماء.. (ح15)
» (مَمُو زين) قصة حب نبت في الأرض وأينع في السماء.. (ح12)
» (مَمُو زين) قصة حب نبت في الأرض وأينع في السماء.. (ح13)
» (مَمُو زين) قصة حب نبت في الأرض وأينع في السماء.. (ح14)
» (مَمُو زين) قصة حب نبت في الأرض وأينع في السماء.. (ح15)
عـــــــــــاشـــــق يبـــــــــــــــــرود :: !~¤§¦ منتديــات الآدبية والشعرية¦§¤~! :: الحكـــواتـــي
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السبت يوليو 09, 2011 6:26 am من طرف رمز الوفا
» بتعرفو عزوز
الثلاثاء مارس 01, 2011 4:21 pm من طرف ستار
» طعام الحبيب المصطفى
الثلاثاء يوليو 13, 2010 9:42 am من طرف البرنس نبيل
» سؤال بس يمكن عبقري
الثلاثاء يوليو 13, 2010 2:32 am من طرف البرنس نبيل
» نكت للشاميين فقط
الثلاثاء يوليو 13, 2010 2:22 am من طرف البرنس نبيل
» دلوعة يبرود حضرت
الإثنين يوليو 12, 2010 7:55 am من طرف البرنس نبيل
» مقالة عن يبرود عنوانها عكس السير!!!
الخميس يوليو 01, 2010 10:04 pm من طرف محمد كراكر
» انذار من شركة مايكروسوفت باغلاق منتديآت ( عـآشق يبرود )
الأربعاء يونيو 30, 2010 8:14 am من طرف محمد كراكر
» كيف تجعل شخصا يحبك بقوة
الإثنين يونيو 28, 2010 11:33 am من طرف тυяķξΨ ДĻ-sнДммяί
» نصائح إلى أبناء الوطن الغالي في الخارج
الأربعاء يونيو 16, 2010 2:42 pm من طرف ChiLd AnGeL