بحـث
المواضيع الأخيرة
(مَمُو زين) قصة حب نبت في الأرض وأينع في السماء.. (ح16)
2 مشترك
عـــــــــــاشـــــق يبـــــــــــــــــرود :: !~¤§¦ منتديــات الآدبية والشعرية¦§¤~! :: الحكـــواتـــي
صفحة 1 من اصل 1
(مَمُو زين) قصة حب نبت في الأرض وأينع في السماء.. (ح16)
الثورة
انقضى عام كامل على ممو وهو لا يزال ملقى في سجنه ، ورفيقة شقائه لا تزال تعاني كربها وعلل نفسها وجسمها . وأصدقاؤهما لا يجلو عنهم ذاك الحزن والهم من أجلهما ، لا سيما تاج الدين وستي ، ذاك لا يبارح خياله ممو وهو قابع في وحشة الإنفراد يكابد هذه النهاية التي حكم بها القضاء بعد كل حرمانه وشقائه . وتلك لا تفتأ تتوجع لحالة أختها زين التي تدهورت صحتها وطرحها الضنى والعذاب ، حتى إنها عافت واستثقلت كل مظاهر نعيمها وسعادتها التي آتاها الدهر بعد أن عافت أختها من كل ذلك ونكبها هذه النكبة المريرة . وقد بائت كل محاولات أولئك الأصدقاء لإطلاق سراح ممو والعفو عنه بالخيبة ، فلم يكن أحد ليستطيع أن يستدر بشكل ما عطف الأمير وشفقته عليه .
وفي ليلة صامتة هادئة ... كان أصدقاء ممو كلهم مجتمعين في دار تاج الدين ، تلك الدار التي يعرف الناظر إليها أنها كانت في يوم ما قصرا رائعا .. يتبادلون المشورة والآراء لإيجاد حل حاسم لهذه المشكلة . وقد بلغ بهم الكرب أقصاه ، وانتهى الصبر فيهم إلى آخر مرحلة .
وارتأى بعضهم أن يغدو جميعا مع صبح اليوم التالي إلى الأمير لآخر مرة .. يستشفعونه في ممو ، ويستدرون عطفه .. و يلحون في الرجاء بإطلاقه .. فإن استجاب فذاك وإلا عادوا فقرروا سبيلا آخر أصلب من هذا ...
ولكن عارفاً لم يعجبه الرأي وقال :
’’ إن من الضعف والخور بعد كل الذي عرضناه من رجاء ، وتصنعناه من ذل - أن نعود إلى هذا الإسلوب بعينيه .
إن إخراج ممو من السجن لم يعد يمكن عن طريق الرجاء والكلام في الدواوين ، وإنما يخرجه اليوم شيء واحد ، هو هذه السواعد التي نملكها .. فعلينا أن نتركها هي اليوم ترجو وتتكلم ، لا في المجالس والدواوين ولكن في الفلاة والميادين ...!
علينا إذا أردنا أن يعود ممو إلينا أن نبادر مع صبح الغد فنرتدي دروعنا ، ونشتمل سيوفنا ، ثم يستوي كل منا على جواده ، فننطلق بالحراب والسنان نهزها ، ونستدر بها وحدها عطف الأمير ، ليطلق سراح ممو . فإن رقق ذلك من قلبه وقضى مرادنا فذاك .. وإلا أعلنا حربا مستعرة هوجاء ، عليه وعلى كل من ستثكله أمه من اتباعه وبطانته ، وعلى رأسهم كلبه اللئيم الحقير .
ولتنفتل رحى الآجال إذ ذاك ، تعصف بالرؤوس ، ولتصبح ’’ بوطان ‘‘ حلبة لرقصة الموت ، وليستمتع أهلها بلحن الأتراس والسيوف . فإما شققنا غبار ذلك كله إلى ممو فأنقذناه برماحنا وسواعدنا ، وإما لحقنا به وعانقنا معه الموت والردى .‘‘
وما إن أبدى هذا الرأي ، وأتم كلامه الملتهب حتى أثار حماسة الجالسين ، وأشعل دمائهم ، وأجمعوا على أن يتلاقوا جميعا في صبح اليوم التالي في عدة الحرب ليشنوها غارة على الأمير ...!
وفي صبح ذلك اليوم فوجئ أهل الجزيرة من هؤلاء الأشقاء الثلاثة بأمر لم يكونوا يحسبوا له حسابا .وطاف هؤلاء الثلاثة ومن معهم من الأصدقاء والأصحاب على أهلهم وذويهم - وقد حزموا أمرهم على الحرب ، ولبسوا لها لباسها ، وأعدوا لها عدتها - يستسمحونهم ويودعونهم .
ثم انطلقوا في خيلهم ورجلهم ، وقد اجتمع منهم عدد كبير ، يؤمون قصرالأمير .. ولما صاروا على مقربة منه اختارتاج الدين ممن معه شيخا مسنا ، فبعثه رسولا إلى الأمير ، يخبره بالشأن .. وأمره أن يقول ما يلي :
’’ أيها الأمير ، هؤلاء الأخوة الأربعة - ممو وتاج الدين وعارف وجكو - لست تجهل أن أحدا منهم لم يتهاون يوما ما في خدمتك ، ولم يتبدل منه الإخلاص في محبتك . فبأي حق وإنصاف تمر سنة كاملة ، وأنت حابس عنهم أعز أخ بينهم .. وملق به في ذلك القبر .. ليس له هناك من راع ولا صاحب ؟!
أيقظت عليهم شماتة الحساد ، وأقمت من حولهم هموم الأصدقاء والأصحاب ، وتنكرت لهم ، فلم تستمع منهم إلى استعطاف أو رجاء !
ما هو ذنب ممو ...؟
أليس كل ذنبه الذي جعله يستحق منكم هذا العقاب أنه عاشق ....؟
ولكن ماذا يصنع .. وإن للعشق سلطانا أقوى من سلطانك ؟ فهلاّ انتقمت إن كنت ذا طول وطود من ذلك السلطان الذي عاندك فاسترقّه - عوضا عن أن تنتقم من هذا البريء الضعيف الذي ليس له من الأمر شيء ..؟!
أيها الأمير : إن هؤلاء الأخوة الأربعة ليس أحد يجهل أنهم أركان أربعة لسعادتك وسلطانك .. وهم اليوم يتقدمون إلى رحابكم باسم الوفاء والعدل طالبين لآخر مرة إطلاق سراح رابعهم من ذلك السجن . وإلا فإن أحداً من البقية .. لا يجد في نفسه ضرورة إلى الحياة بعد اليوم ...‘‘
وراح الشيخ .. واستأذن على الأمير بعد أن رآه بكر وعرف المسألة كلها .. فأبلغه هذه الرسالة كما حمّله إياها تاج الدين ، ووقف ينتظر الجواب . فأخذ الأمير يفكر وقد بدا على ملامحه الحذر والتريث . ثم نظر إلى الشيخ قائلا وقد أسرّ في نفسه أمرا :
’’ أيها الشيخ . عد إلى هؤلاء الذين أرسلوك ، فقل لهم : من أين ارتكزت في أذهانهم هذه الأوهام الفاسدة حتى تقوم في رؤوسهم هذه الثورة التي لا داعي لها ..؟ وليحدث كل ما يفرض أن يكون ، فهل يعقل أن نفوت ونترك أصدقائنا ، وأن نتخلى عن تقديرهم ومحبتهم ، سيما وإن لهم عندنا خدمات وأيادي لا تنسى ، أما ممو فإنا رأينا أن نفعل به ذلك تأديبا وإيقافا له عند حده ، وها أنا اليوم سأجعل كلا من ممو وزين فداء لتاج الدين وأخويه ، فليطب خاطرهم . بل وسأهبها لهم ليتحققوا من إخلاصنا في حبهم وتقديرهم ..‘‘
فتهللت أساسير الشيخ ، وانحنى شاكرا بين يديه ، ثم انصرف عائدا إلى القوم الذين كانوا في انتظاره . وما إن أخبرتهم بما قاله الأمير حتى سري عنهم وخمدت ثورتهم وتفرقوا عائدين إلى دورهم في انتظار الابتهاج بإطلاق سراح ممو وتزويجه من حبيبته زين .
الخديعة
لم يكد ذلك الشيخ يخرج من القصر حتى أخذ الأمير يفكر في الموضوع بجد ...وقد بدا على تقاسيم وجهه وفي بريق عينيه الاهتمام الشديد بالأمر ! وأخذ ذهنه يطوف حول إيجاد أي خدعة لأولئك الثائرين في وجهه .
أما الحديث الذي قاله للشيخ ، فلم يكن شيء منه صادرا عن أعماق نفسه ، وإنما أرسله مجاملة فقط .. لتخمد ثورتهم ، ويرجعوا عما عزموا عليه من إثارة الفتنة والحرب . إذ كان يعلم أن قيام ثورة عليه من قبل تاج الدين وشقيقيه لن يكون في صالحه . لا سيما وإن لهم شيعة وأتباعا كثرا في الجزيرة ولذلك ألقى إليهم بهذا الوعد ، ليلهيهم ويتراجعوا عما أجمعوا رأيهم عليه ، بينما يصل هو في تفكيره إلى حيلة يسبقهم بها إلى تدبير الأمر كما يشاء ، ويقطع بها عليهم طريق الثورة والقوة .
ودخل عليه الحاجب بكر ، فألم بالقلق في نفسه ، ولم يخف عليه - وقد كان تسمع إلى كل ما قاله الرسول وأجابه به الأمير - أن الأمير لك يكن مخلصا للرسول فيما قدمه إليه من وعود ، وأنع يحوم بفكره حول أي وسيلة لإنقاذ الموقف ، وحسم هذا الأمر ...
فأخذ يقول وهو يتشاغل بتنظيم جوانب الديوان وإصلاحه :
’’ لقد كنت والله خائفا منذ أمد طويل أن ينتهز الفرصة هؤلاء القوم ، ويتشبثوا بأي سبب مصطنع لإثارة الفتن والقلائل حول هذا القصر . وما مرادهم والله ، كما علمت من أول الأمر ، إلا أن يصلوا بصاحبهم تاج الدين إلى الحلم الذي لا يزال جاثما في أوهام رؤوسهم ...!‘‘
ثم التفت إلى الأمير فقال :
’’ ولكن لا داعي إلى أن يحسب مولاي لهم كل هذا الشأن ، وأن يعيرهم من نفسه القلق والاهتمام ... ففي استطاعته إذا شاء أن يتخلص من كل من تاج الدين وشقيقيه بأيسر الطرق ...
أما ممو فإن الوسيلة إلى قتله أسهل ما يكون ، ولن يكلف ذلك سوى أن يتظاهر مولاي لزين بأنه نادم .. وأنه عقد العزم على أن يعفو عن ممو ويزوجها به . ثم يرسلها إلى زنزانة سجنه لتتولى هي بنفسها إطلاق سراحه ، فقد علمت مولاي بأنه يعشقها عشقا شدشدا ، وأغلب الظن أنه عندما يفاجأ برؤيتها بعد كل غيابه عنها وشوقه إليها واليأس الذي دب في نفسه ، سيخر صريعا وقد فارقته الروح .
أما تاج الدين وشقيقاه فمن السهولة بمكان - إذا شاء مولاي وترك الأمر لي - أن أتقدم إليهم بكؤوس من الشراب المسموم ...‘‘
ورغم أن الأمير كان يتظاهر كالمتشاغل عن حديثه ، إلا أنه كان ملقيا إليه كا باله ، يتتبع حديثه ورأيه باهتمام . فقد كان كل مراده أن يعثر في أقرب وقت على أي حل أو طريقة يتفادى بها ثورة تاج الدين وصحبه ، دون أن ينزل عند طلبهم أو مرادهم .
على أد ذلك لم يمنعه من أن يتضايق من بكر وفظاظة طبعه الذي يأبى إلا أن يشرئب متطاولا إلى هذه الامور التي لا تعنيه في قليل أو كثير ، فقد أصبح يتراءى لعينيه في وجهه الذي يظل متمسكنا في خبث ، كلما لمحه ، مصدر هذه الفتنة التي أخذت حيزا كبيرا من تفكيره ، بقطع النظر عن أنه أكان صادقا ومخلصا له في إثارتها ، أم مفتريا لا يهمه شيء سوى إيقاد نارها واحتراق الأبرياء في لظاها . وحسب هذا في الواقع حاملا للأمير على كراهيته والإشمئزاز من منظره وكلامه الذي لا يبعث إلا التشاؤم . بل ربما كان يدفعه هذا إلى أن يجازف بطرده رغم حاجته إلى حاجب في مثل خبثه ودهائه - لو لم يكن ذلك في هذا الوقت خاصة قد يثير لدى تاج الدين ظنونا بالأمير وبأن كل هذا الذي حدث إنما كان بمكر وافتراء من ذلك الحاجب الذي استطاع أن يغرر بالأمير ويخدعه .
ثم إنه لم يعلق شيئا على كلام بكر الذي ظل متشاغلا من حوله في انتظار أن يجيبه على رأيه الذي أبداه ، بأي كلمة أكثر من أنه أمره بالخروج وإغلاق الباب ، وبأن لا يدع أحدا يدخل عليه في ذلك اليوم .
وظل الأمير بياض نهاره ذلك لا يُرى إلا مختليا يفكر .. أما في الليل فقد استيد به الأرق ، وظل أيضا ساردا في التفكير والإطراق .
أخذ يعرض على ذهنه إلى جانب ما علق برأسه من ذلك الرأي الذي أبداه بكر آراءً كثيرة ، ولكن لم يكن من بينها أبدا فكرة العفو عن ممو وتزويجه من أخته . إذ كان هذا بعيدا جدا خصوصا وقد تتابعت عليه عوامل جعلته كالمستحيل . فقد كان أول عامل هو ما بلغ الأمير أن تاج الدين راح يستعمل نفوذه الخاص في تزويحها من ممو في الخفاء دون أن يعلمه بذلك ، وهو العامل الذي ألهب غضبه إذ ذاك وجعله يقسم أن يحول دون تحقيق ذلك . والعامل الثاني هو ما شاع أخيرا بين الناس ونقله بكر إليه من غرام ممو الشديد بأخته ، ومن زائدات أخرى غير لائقة انتهت إلى مسامعه . والعامل الأخير الذي جعله اليوم يزداد قسوة وتمسكا برأيه ، هو مجيء تاج الدين وقومه في هذه الثورة يطالبون بالعفو عن صاحبهم بالقوة والتهديد !
وأما رأي بكر فقد كان الأمير يحسب للاقدام على تحقيقه حسابا كبيرا ، ولا يكاد يرى وسيلة معقولة إليه ، إذ ليس من السهل أبدا القضاء على تاج الدين وشقيقيه بالسم مثلا كما يقول بكر ، ولا يضمن أن تأتي النتيجة لذلك هادئة سليمة ، سيما وإن من ورائهم شيعة وأتباعا سيتساءلون عن السر وسيظلون يبحثون عن الحقيقة التي لا يبعد أن تنكشف لهم أخيرا .
ثم أنها حيلة بشعة جدا ، لا يصلح أن تصدر إلا من ماكر دنئ من أمقال بكر ... وإن دلت على شيء من الأمير فإنما تدل على الجبن الذي يمنع من المجابهة والمبارزة وجها لوجه ، وعلى أنه ليس في يديه من وسائل القوة إلا هذه الخدعة التي هي سلاح الجبناء والضعفاء ، وما أبعدهما عن الأمير زين الدين من أن يكون كذلك ، وأن ينزل عند شيء من هذا الضعف . وأما الخطوة الأولى من رأي بكر وهي ما رآه من وسيلة للتخلص من ممو ، فقد كان يطمئن إليها قلب الأمير ، لو صح أن رؤيته لأخته على ذلك الشكل ستعدمه الحياة وتجعله يفارق الروح ...! ولا شك أن الأمر إذا تم على هذا النحو فهي وسيلة محكمة تماما .. وهي الخطوة الأولى والأخيرة ، وتنتهي المشكلة بعدها ..
وعلى كل فإن الأمير لم يسلم عينيه للرقاد في تلك الليلة إلا بعد أن عقد العزم لحل هذه المشكلة على أمر ...
نهــايـة الحلــقة السادســـة عشر___ يتبع...
انقضى عام كامل على ممو وهو لا يزال ملقى في سجنه ، ورفيقة شقائه لا تزال تعاني كربها وعلل نفسها وجسمها . وأصدقاؤهما لا يجلو عنهم ذاك الحزن والهم من أجلهما ، لا سيما تاج الدين وستي ، ذاك لا يبارح خياله ممو وهو قابع في وحشة الإنفراد يكابد هذه النهاية التي حكم بها القضاء بعد كل حرمانه وشقائه . وتلك لا تفتأ تتوجع لحالة أختها زين التي تدهورت صحتها وطرحها الضنى والعذاب ، حتى إنها عافت واستثقلت كل مظاهر نعيمها وسعادتها التي آتاها الدهر بعد أن عافت أختها من كل ذلك ونكبها هذه النكبة المريرة . وقد بائت كل محاولات أولئك الأصدقاء لإطلاق سراح ممو والعفو عنه بالخيبة ، فلم يكن أحد ليستطيع أن يستدر بشكل ما عطف الأمير وشفقته عليه .
وفي ليلة صامتة هادئة ... كان أصدقاء ممو كلهم مجتمعين في دار تاج الدين ، تلك الدار التي يعرف الناظر إليها أنها كانت في يوم ما قصرا رائعا .. يتبادلون المشورة والآراء لإيجاد حل حاسم لهذه المشكلة . وقد بلغ بهم الكرب أقصاه ، وانتهى الصبر فيهم إلى آخر مرحلة .
وارتأى بعضهم أن يغدو جميعا مع صبح اليوم التالي إلى الأمير لآخر مرة .. يستشفعونه في ممو ، ويستدرون عطفه .. و يلحون في الرجاء بإطلاقه .. فإن استجاب فذاك وإلا عادوا فقرروا سبيلا آخر أصلب من هذا ...
ولكن عارفاً لم يعجبه الرأي وقال :
’’ إن من الضعف والخور بعد كل الذي عرضناه من رجاء ، وتصنعناه من ذل - أن نعود إلى هذا الإسلوب بعينيه .
إن إخراج ممو من السجن لم يعد يمكن عن طريق الرجاء والكلام في الدواوين ، وإنما يخرجه اليوم شيء واحد ، هو هذه السواعد التي نملكها .. فعلينا أن نتركها هي اليوم ترجو وتتكلم ، لا في المجالس والدواوين ولكن في الفلاة والميادين ...!
علينا إذا أردنا أن يعود ممو إلينا أن نبادر مع صبح الغد فنرتدي دروعنا ، ونشتمل سيوفنا ، ثم يستوي كل منا على جواده ، فننطلق بالحراب والسنان نهزها ، ونستدر بها وحدها عطف الأمير ، ليطلق سراح ممو . فإن رقق ذلك من قلبه وقضى مرادنا فذاك .. وإلا أعلنا حربا مستعرة هوجاء ، عليه وعلى كل من ستثكله أمه من اتباعه وبطانته ، وعلى رأسهم كلبه اللئيم الحقير .
ولتنفتل رحى الآجال إذ ذاك ، تعصف بالرؤوس ، ولتصبح ’’ بوطان ‘‘ حلبة لرقصة الموت ، وليستمتع أهلها بلحن الأتراس والسيوف . فإما شققنا غبار ذلك كله إلى ممو فأنقذناه برماحنا وسواعدنا ، وإما لحقنا به وعانقنا معه الموت والردى .‘‘
وما إن أبدى هذا الرأي ، وأتم كلامه الملتهب حتى أثار حماسة الجالسين ، وأشعل دمائهم ، وأجمعوا على أن يتلاقوا جميعا في صبح اليوم التالي في عدة الحرب ليشنوها غارة على الأمير ...!
وفي صبح ذلك اليوم فوجئ أهل الجزيرة من هؤلاء الأشقاء الثلاثة بأمر لم يكونوا يحسبوا له حسابا .وطاف هؤلاء الثلاثة ومن معهم من الأصدقاء والأصحاب على أهلهم وذويهم - وقد حزموا أمرهم على الحرب ، ولبسوا لها لباسها ، وأعدوا لها عدتها - يستسمحونهم ويودعونهم .
ثم انطلقوا في خيلهم ورجلهم ، وقد اجتمع منهم عدد كبير ، يؤمون قصرالأمير .. ولما صاروا على مقربة منه اختارتاج الدين ممن معه شيخا مسنا ، فبعثه رسولا إلى الأمير ، يخبره بالشأن .. وأمره أن يقول ما يلي :
’’ أيها الأمير ، هؤلاء الأخوة الأربعة - ممو وتاج الدين وعارف وجكو - لست تجهل أن أحدا منهم لم يتهاون يوما ما في خدمتك ، ولم يتبدل منه الإخلاص في محبتك . فبأي حق وإنصاف تمر سنة كاملة ، وأنت حابس عنهم أعز أخ بينهم .. وملق به في ذلك القبر .. ليس له هناك من راع ولا صاحب ؟!
أيقظت عليهم شماتة الحساد ، وأقمت من حولهم هموم الأصدقاء والأصحاب ، وتنكرت لهم ، فلم تستمع منهم إلى استعطاف أو رجاء !
ما هو ذنب ممو ...؟
أليس كل ذنبه الذي جعله يستحق منكم هذا العقاب أنه عاشق ....؟
ولكن ماذا يصنع .. وإن للعشق سلطانا أقوى من سلطانك ؟ فهلاّ انتقمت إن كنت ذا طول وطود من ذلك السلطان الذي عاندك فاسترقّه - عوضا عن أن تنتقم من هذا البريء الضعيف الذي ليس له من الأمر شيء ..؟!
أيها الأمير : إن هؤلاء الأخوة الأربعة ليس أحد يجهل أنهم أركان أربعة لسعادتك وسلطانك .. وهم اليوم يتقدمون إلى رحابكم باسم الوفاء والعدل طالبين لآخر مرة إطلاق سراح رابعهم من ذلك السجن . وإلا فإن أحداً من البقية .. لا يجد في نفسه ضرورة إلى الحياة بعد اليوم ...‘‘
وراح الشيخ .. واستأذن على الأمير بعد أن رآه بكر وعرف المسألة كلها .. فأبلغه هذه الرسالة كما حمّله إياها تاج الدين ، ووقف ينتظر الجواب . فأخذ الأمير يفكر وقد بدا على ملامحه الحذر والتريث . ثم نظر إلى الشيخ قائلا وقد أسرّ في نفسه أمرا :
’’ أيها الشيخ . عد إلى هؤلاء الذين أرسلوك ، فقل لهم : من أين ارتكزت في أذهانهم هذه الأوهام الفاسدة حتى تقوم في رؤوسهم هذه الثورة التي لا داعي لها ..؟ وليحدث كل ما يفرض أن يكون ، فهل يعقل أن نفوت ونترك أصدقائنا ، وأن نتخلى عن تقديرهم ومحبتهم ، سيما وإن لهم عندنا خدمات وأيادي لا تنسى ، أما ممو فإنا رأينا أن نفعل به ذلك تأديبا وإيقافا له عند حده ، وها أنا اليوم سأجعل كلا من ممو وزين فداء لتاج الدين وأخويه ، فليطب خاطرهم . بل وسأهبها لهم ليتحققوا من إخلاصنا في حبهم وتقديرهم ..‘‘
فتهللت أساسير الشيخ ، وانحنى شاكرا بين يديه ، ثم انصرف عائدا إلى القوم الذين كانوا في انتظاره . وما إن أخبرتهم بما قاله الأمير حتى سري عنهم وخمدت ثورتهم وتفرقوا عائدين إلى دورهم في انتظار الابتهاج بإطلاق سراح ممو وتزويجه من حبيبته زين .
الخديعة
لم يكد ذلك الشيخ يخرج من القصر حتى أخذ الأمير يفكر في الموضوع بجد ...وقد بدا على تقاسيم وجهه وفي بريق عينيه الاهتمام الشديد بالأمر ! وأخذ ذهنه يطوف حول إيجاد أي خدعة لأولئك الثائرين في وجهه .
أما الحديث الذي قاله للشيخ ، فلم يكن شيء منه صادرا عن أعماق نفسه ، وإنما أرسله مجاملة فقط .. لتخمد ثورتهم ، ويرجعوا عما عزموا عليه من إثارة الفتنة والحرب . إذ كان يعلم أن قيام ثورة عليه من قبل تاج الدين وشقيقيه لن يكون في صالحه . لا سيما وإن لهم شيعة وأتباعا كثرا في الجزيرة ولذلك ألقى إليهم بهذا الوعد ، ليلهيهم ويتراجعوا عما أجمعوا رأيهم عليه ، بينما يصل هو في تفكيره إلى حيلة يسبقهم بها إلى تدبير الأمر كما يشاء ، ويقطع بها عليهم طريق الثورة والقوة .
ودخل عليه الحاجب بكر ، فألم بالقلق في نفسه ، ولم يخف عليه - وقد كان تسمع إلى كل ما قاله الرسول وأجابه به الأمير - أن الأمير لك يكن مخلصا للرسول فيما قدمه إليه من وعود ، وأنع يحوم بفكره حول أي وسيلة لإنقاذ الموقف ، وحسم هذا الأمر ...
فأخذ يقول وهو يتشاغل بتنظيم جوانب الديوان وإصلاحه :
’’ لقد كنت والله خائفا منذ أمد طويل أن ينتهز الفرصة هؤلاء القوم ، ويتشبثوا بأي سبب مصطنع لإثارة الفتن والقلائل حول هذا القصر . وما مرادهم والله ، كما علمت من أول الأمر ، إلا أن يصلوا بصاحبهم تاج الدين إلى الحلم الذي لا يزال جاثما في أوهام رؤوسهم ...!‘‘
ثم التفت إلى الأمير فقال :
’’ ولكن لا داعي إلى أن يحسب مولاي لهم كل هذا الشأن ، وأن يعيرهم من نفسه القلق والاهتمام ... ففي استطاعته إذا شاء أن يتخلص من كل من تاج الدين وشقيقيه بأيسر الطرق ...
أما ممو فإن الوسيلة إلى قتله أسهل ما يكون ، ولن يكلف ذلك سوى أن يتظاهر مولاي لزين بأنه نادم .. وأنه عقد العزم على أن يعفو عن ممو ويزوجها به . ثم يرسلها إلى زنزانة سجنه لتتولى هي بنفسها إطلاق سراحه ، فقد علمت مولاي بأنه يعشقها عشقا شدشدا ، وأغلب الظن أنه عندما يفاجأ برؤيتها بعد كل غيابه عنها وشوقه إليها واليأس الذي دب في نفسه ، سيخر صريعا وقد فارقته الروح .
أما تاج الدين وشقيقاه فمن السهولة بمكان - إذا شاء مولاي وترك الأمر لي - أن أتقدم إليهم بكؤوس من الشراب المسموم ...‘‘
ورغم أن الأمير كان يتظاهر كالمتشاغل عن حديثه ، إلا أنه كان ملقيا إليه كا باله ، يتتبع حديثه ورأيه باهتمام . فقد كان كل مراده أن يعثر في أقرب وقت على أي حل أو طريقة يتفادى بها ثورة تاج الدين وصحبه ، دون أن ينزل عند طلبهم أو مرادهم .
على أد ذلك لم يمنعه من أن يتضايق من بكر وفظاظة طبعه الذي يأبى إلا أن يشرئب متطاولا إلى هذه الامور التي لا تعنيه في قليل أو كثير ، فقد أصبح يتراءى لعينيه في وجهه الذي يظل متمسكنا في خبث ، كلما لمحه ، مصدر هذه الفتنة التي أخذت حيزا كبيرا من تفكيره ، بقطع النظر عن أنه أكان صادقا ومخلصا له في إثارتها ، أم مفتريا لا يهمه شيء سوى إيقاد نارها واحتراق الأبرياء في لظاها . وحسب هذا في الواقع حاملا للأمير على كراهيته والإشمئزاز من منظره وكلامه الذي لا يبعث إلا التشاؤم . بل ربما كان يدفعه هذا إلى أن يجازف بطرده رغم حاجته إلى حاجب في مثل خبثه ودهائه - لو لم يكن ذلك في هذا الوقت خاصة قد يثير لدى تاج الدين ظنونا بالأمير وبأن كل هذا الذي حدث إنما كان بمكر وافتراء من ذلك الحاجب الذي استطاع أن يغرر بالأمير ويخدعه .
ثم إنه لم يعلق شيئا على كلام بكر الذي ظل متشاغلا من حوله في انتظار أن يجيبه على رأيه الذي أبداه ، بأي كلمة أكثر من أنه أمره بالخروج وإغلاق الباب ، وبأن لا يدع أحدا يدخل عليه في ذلك اليوم .
وظل الأمير بياض نهاره ذلك لا يُرى إلا مختليا يفكر .. أما في الليل فقد استيد به الأرق ، وظل أيضا ساردا في التفكير والإطراق .
أخذ يعرض على ذهنه إلى جانب ما علق برأسه من ذلك الرأي الذي أبداه بكر آراءً كثيرة ، ولكن لم يكن من بينها أبدا فكرة العفو عن ممو وتزويجه من أخته . إذ كان هذا بعيدا جدا خصوصا وقد تتابعت عليه عوامل جعلته كالمستحيل . فقد كان أول عامل هو ما بلغ الأمير أن تاج الدين راح يستعمل نفوذه الخاص في تزويحها من ممو في الخفاء دون أن يعلمه بذلك ، وهو العامل الذي ألهب غضبه إذ ذاك وجعله يقسم أن يحول دون تحقيق ذلك . والعامل الثاني هو ما شاع أخيرا بين الناس ونقله بكر إليه من غرام ممو الشديد بأخته ، ومن زائدات أخرى غير لائقة انتهت إلى مسامعه . والعامل الأخير الذي جعله اليوم يزداد قسوة وتمسكا برأيه ، هو مجيء تاج الدين وقومه في هذه الثورة يطالبون بالعفو عن صاحبهم بالقوة والتهديد !
وأما رأي بكر فقد كان الأمير يحسب للاقدام على تحقيقه حسابا كبيرا ، ولا يكاد يرى وسيلة معقولة إليه ، إذ ليس من السهل أبدا القضاء على تاج الدين وشقيقيه بالسم مثلا كما يقول بكر ، ولا يضمن أن تأتي النتيجة لذلك هادئة سليمة ، سيما وإن من ورائهم شيعة وأتباعا سيتساءلون عن السر وسيظلون يبحثون عن الحقيقة التي لا يبعد أن تنكشف لهم أخيرا .
ثم أنها حيلة بشعة جدا ، لا يصلح أن تصدر إلا من ماكر دنئ من أمقال بكر ... وإن دلت على شيء من الأمير فإنما تدل على الجبن الذي يمنع من المجابهة والمبارزة وجها لوجه ، وعلى أنه ليس في يديه من وسائل القوة إلا هذه الخدعة التي هي سلاح الجبناء والضعفاء ، وما أبعدهما عن الأمير زين الدين من أن يكون كذلك ، وأن ينزل عند شيء من هذا الضعف . وأما الخطوة الأولى من رأي بكر وهي ما رآه من وسيلة للتخلص من ممو ، فقد كان يطمئن إليها قلب الأمير ، لو صح أن رؤيته لأخته على ذلك الشكل ستعدمه الحياة وتجعله يفارق الروح ...! ولا شك أن الأمر إذا تم على هذا النحو فهي وسيلة محكمة تماما .. وهي الخطوة الأولى والأخيرة ، وتنتهي المشكلة بعدها ..
وعلى كل فإن الأمير لم يسلم عينيه للرقاد في تلك الليلة إلا بعد أن عقد العزم لحل هذه المشكلة على أمر ...
نهــايـة الحلــقة السادســـة عشر___ يتبع...
AnGeL DrEaMsSs- عدد المساهمات : 121
نقاط : 255
تاريخ التسجيل : 16/12/2009
العمر : 38
الموقع : www.kooora.com
رد: (مَمُو زين) قصة حب نبت في الأرض وأينع في السماء.. (ح16)
الله يعطيك العافية وقصة بتجنن
أنا بصراحة ما وصلت لهون بس عم اقرا كل يوم شوي
ويسلمووووو
أنا بصراحة ما وصلت لهون بس عم اقرا كل يوم شوي
ويسلمووووو
عاشقة المستحيل- عدد المساهمات : 182
نقاط : 332
تاريخ التسجيل : 15/12/2009
رد: (مَمُو زين) قصة حب نبت في الأرض وأينع في السماء.. (ح16)
الله يعافيكي بس المشكلة انو مافي اهتمام بنوب بهالقصة
وماعم شوف مشاهدات يعني ماحدا عم يقرأها ولو انو هي قصة حلوة كتير كتير
وشكرا على مرورك الرائع واهتمامك
وماعم شوف مشاهدات يعني ماحدا عم يقرأها ولو انو هي قصة حلوة كتير كتير
وشكرا على مرورك الرائع واهتمامك
AnGeL DrEaMsSs- عدد المساهمات : 121
نقاط : 255
تاريخ التسجيل : 16/12/2009
العمر : 38
الموقع : www.kooora.com
مواضيع مماثلة
» (مَمُو زين) قصة حب نبت في الأرض وأينع في السماء.. (ح9)
» (مَمُو زين) قصة حب نبت في الأرض وأينع في السماء.. (ح10)
» (مَمُو زين) قصة حب نبت في الأرض وأينع في السماء.. (ح11)
» (مَمُو زين) قصة حب نبت في الأرض وأينع في السماء.. (ح12)
» (مَمُو زين) قصة حب نبت في الأرض وأينع في السماء.. (ح13)
» (مَمُو زين) قصة حب نبت في الأرض وأينع في السماء.. (ح10)
» (مَمُو زين) قصة حب نبت في الأرض وأينع في السماء.. (ح11)
» (مَمُو زين) قصة حب نبت في الأرض وأينع في السماء.. (ح12)
» (مَمُو زين) قصة حب نبت في الأرض وأينع في السماء.. (ح13)
عـــــــــــاشـــــق يبـــــــــــــــــرود :: !~¤§¦ منتديــات الآدبية والشعرية¦§¤~! :: الحكـــواتـــي
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السبت يوليو 09, 2011 6:26 am من طرف رمز الوفا
» بتعرفو عزوز
الثلاثاء مارس 01, 2011 4:21 pm من طرف ستار
» طعام الحبيب المصطفى
الثلاثاء يوليو 13, 2010 9:42 am من طرف البرنس نبيل
» سؤال بس يمكن عبقري
الثلاثاء يوليو 13, 2010 2:32 am من طرف البرنس نبيل
» نكت للشاميين فقط
الثلاثاء يوليو 13, 2010 2:22 am من طرف البرنس نبيل
» دلوعة يبرود حضرت
الإثنين يوليو 12, 2010 7:55 am من طرف البرنس نبيل
» مقالة عن يبرود عنوانها عكس السير!!!
الخميس يوليو 01, 2010 10:04 pm من طرف محمد كراكر
» انذار من شركة مايكروسوفت باغلاق منتديآت ( عـآشق يبرود )
الأربعاء يونيو 30, 2010 8:14 am من طرف محمد كراكر
» كيف تجعل شخصا يحبك بقوة
الإثنين يونيو 28, 2010 11:33 am من طرف тυяķξΨ ДĻ-sнДммяί
» نصائح إلى أبناء الوطن الغالي في الخارج
الأربعاء يونيو 16, 2010 2:42 pm من طرف ChiLd AnGeL